مدينة تنيس "Tennis"
إحدى مدن مصر الهامة في العصور الاسلامية الوسطى. بنيت على جزيرة تنيس جنوب غرب مدينة بورسعيد، وتبعد عنها تسعة كيلومترات داخل بحيرة تنيس (بحيرة المنزلة الآن). وتحديداً موضع على امتداد الخط الملاحي لقنال المنزلة الذي يربط بورسعيد والمطرية دقهلية وسط بحيرة قليلة العمق تعرف باسم "البشتير".
![]() |
مدينة تنيس شاهد على تاريخ مصر. |
كانت تنيس مدينة مصرية زاهرة بموقعها في الشمال الشرقي من البحيرة والقريب من ساحل البحر الأبيض المتوسط. تم تقدير مساحتها من المجلس الأعلى للأثار بـ 215 فداناً، بالرغم أنها الآن بقايا مدينة من الأطلال لكن تشم فيها رائحة العراقة والأصالة المصرية التي لم تخبوا رغم السنين والأعوام.
كانت ميناء هام لتصدير المنتجات الزراعية المصرية، وكانت تشتهر بصناعة النسيج في مصر. وبرع أهلها في هذا الفن الراقي من صناعة المنسوجات وعرف في كل أنحاء الإقليم المصري، وكذلك في كل انحاء العالم الاسلامي.
أصل كلمة تنيس
- أطلق على المدينة كلمة تنيس من قبل الرحالة والمؤرخين العرب، وجاءت من الكلمة اليونانية "نيسوس" ثم عدلت باللغة القبطية لتكون "تنيسوس" وتعني الجزيرة ومن ثم هذا يوضح مصدر التسمية فهي جزيرة بالفعل وسط المياه. ثم تم اختصارها مع مرور الأيام لتصبح حتى الآن "تنيس".
- عندما جاء الفتح العربي لمصر، وجدوا أن أهل تنيس بنوا منازلهم من أعواد البوص الذي ينموا بكثافة على الجزيرة وما حولها. وفي زمن الخلافة الأموية ازدهر المكان ونما وأعيد بناء البيوت بالطوب والحجارة وشقت الطرق حتى برزت كمدينة صناعية كبيرة وأشتهرت بصناعة أنواع فاخرة من النسيج، وبرعت في تحضير العطور وصناعة أوانيها.
- واصلت نموها وتقدمها خلال عصرا الخلافة العباسية، والذين سعوا للحفاظ عليها فبنوا لها سور في عصر المتوكل علي الله العباسي عام 230 هـ وذلك لتأمين حدودها من قبل اللصوص والغزاة.
أهمية مدينة تنيس
- إن موقع مدينة تنيس على جزيرة وسط المياه لعب دوراً بارزاً في احداثها الاقتصادية والسياسية والحربية. كانت حصن بالغ الأهمية وخط دفاعي أول عن مصر، وأطلق على أهل تنيس المرابطين. ومنحتها الطبيعة حصن إضافي من رباط الأشتوم.
- الأشتوم اسم
أطلق على البحيرة المحيطة بالجزيرة. وهي عبارة عن بحيرة غير عميقة وكان عبارة عن
الخط الدفاعي الأول لمدينة تنيس. وتصل مياهه إلى مدينة دمياط التي كانت تمد يد
المساعدة عند تعرض تنيس للخطر الخارجي والداخلي.
- مازال هذا الاسم يطلق على محمية أشتوم شمال غرب بورسعيد على ساحل البحر الأبيض المتوسط. هناك يكثر تواجد الطيور المهاجرة والتي تعبر البحر في الخريف والشتاء قادمة من القارة الأوروبية حيث الدفء والشمس الساطعة. كذلك بعض الأسماك المهاجرة التي تأتي من البحر وتدخل مياه البحيرة لاستكمال دورة الحياة من التكاثر والرعاية.
- استمر الوضع الهام لمدينة تنيس حتى القرن السابع الهجري، وكانت مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً عززه قرب مدينة دمياط التجارية منها. فكانت مركزاً هامة لصناعة سفن الصيد وكذلك سفن الأسطول البحري.
أطلال تنيس شاهد على تاريخ حضاري ناصع
مدينة تنيس شغلت مساحة كيلو متر مربع داخل مياه
البحيرة. والتل يرتفع تدريجياً من سطح
مياه البحيرة في شكل تلال يعلو بعضها البعض. يختلط اللون مع أنقاض مباني من الطوب
الأحمر، وشقف الخزف والفخار وكسر الزجاج.
يظهر شكل المدينة على التل من بعيد للزائر أطلال
كستها عوامل الطبيعة لونها الأحمر الطوبى غمرتها تسربات المياه في كل مكان وبقايا
الأملاح تغلب عليها الهشاشة مع مرور السنوات. كشفت الأثار عن عدد 21 من صهاريج
المياه العذبة، وبقايا المباني من الطوب الأحمر، وقنوات المياه، والشوارع.
لمعرفة المزيد عن مدينة تنيس الاثرية "اضغط هنا".
مدينة تنيس والحروب الصليبية
- نظراً لأهمية مدينة تنيس من الناحية الاقتصادية لمصر وموقعها المميز، كانت مطمع للغزاة الصليبين عبر حقبة من الزمان ليست بالقليلة. فعانت كثير من الانتهاكات الصليبية أثر في تاريخها.
- في عام 588 هـ - 1192 م، أمر السلطان صلاح الدين الأيوبي بإخلائها من السكان وألا يبقى فيها إلا الجند للدفاع عنها من هجمات الصليبين.
- في عام 624 هـ - 1226 م علم السلطان الكامل محمد بن العدل الأيوبي عن قيام الحملة الصليبية الخامسة، فأمر بهدم المدينة وتخريبها وتهجير أهلها والبالغ عددهم حينها 50 ألف وقطع الطرق الموصلة إليها حتى لا يستطيع جنود الصليبين الوصول إلى عاصمة الدولة من خلال تلك الطرق.
- في عام 630 هـ - 1219 م وصلت الحملة الصليبية مدينة دمياط بقيادة جان دي برينين. تصدت لها قوات الدفاع المصرية وانتصرت عليها، وباتت الحملة بالفشل.
- وهكذا لم يعد السكان إلى المدينة، واندثرت مع الأيام أكبر مدن مصر الصناعية والحربية في العصور الوسطى.
- بقيت بالمدينة حامية صغيرة في قلعتها للدفاع عنها، وأصبحت رمز للبطولة ولا يذكرها أحد إلا في كتب التاريخ والرحالة الأجانب الذين زاروا المنطقة وكتبوا عنها في ورقهم.
- لقد ذكرها الرحالة فرا نيكولو "Fra Niccolo" في عام 1345 م "القرن الخامس الهجري" في كتبه
وذكر أنه لم يرى شئ في المدينة إلا حاميتها يسكنها بعض الجند مع قائدهم.
- في عام 1421 م "القرن التاسع الهجري"
قام الرحالة جيلبرت دي لانوي "Guillebert de Lannoy" بزيارتها وذكر أنه لم يجد بها إلا
انقاضاً.
أثار مدينة تنيس
- في عام 1910 م أرسلت إلى مدينة تنيس لجنة حفظ الأثار العربية برئاسة المهندس الإبطالي "باترو كلوا" حيث ذكر أن المدينة لم يعد بها إلا أنقاض قلعة صهاريج المياه مكونة من عدة صهاريج. قام بعمل تخيط للموقع ولكن لم يكتمل مشروعه.
- أرسلت هيئة الأثار المصرية عام 1979 م لجنة لدراسة اثار المدينة، لكن لم يكتمل المشروع أيضاَ.
- أعيد الاهتمام بالمنطقة مرة أخرى على مدار سنوات من 1990 حنى 2010 م، وتم رفع صور عديدة للمدينة القديمة تتواجد حالياً في هيئة الأثار المصرية ومحافظة بورسعيد.
- أظهرت دراسة موقع المدينة الملامح المعمارية لها والتي تميزت بها من المرافق الهامة وصهاريج المياه العذبة وشبكة قنوات المياه، ووحدات تنقية المياه وأحواض الترسيب وبعض أطلال مصانع النسيج والخزف.
مدينة تنيس وكسوة الكعبة المشرفة
- كشفت لجنة الأثار عن أهمية المدينة في تلك الحقبة من الزمان الاقتصادية لمصر. وكشفت عن الأنشطة التجارية والصناعية التي اقيمت بها ومنها في الأساس الصناعات الحرفية المتعددة وصناعة النسيج المتعدد الطرازات والخامات.
- أهتم الحكام العرب أبان الدولة العباسية، والطولونية، ولأخشيدية، والفاطمية، والأيوبية بما تنتجه تنيس من المصنوعات خاصة النسيج والذي سميت دور الطراز. وكانت تنتج الملابس من النسيج ويتم بعد ذلك تطريزها بأشكال وألوان متعددة حسب زمن الخلافة وحكامه.
- ونظراً لبراعة أهل مدينة تنيس في حياكة المنسوجات وتطريزها وشهرتهم الكبيرة فقد كان يعهد إليهم سنوياً تصنيع كسوة الكعبة المشرفة. وهناك منسوجات محفوظة حتى يومنا بمتحف الفن الاسلامي بالقاهرة وبعض المتاحف العالمية من صنع مدينة تنيس.
الخاتمة
مدينة تنيس كتب اسمها من ذهب عبر التاريخ نظراً
لدورها الكبير في تقدم الحضارة في تاريخ مصر الاسلامية. فكان لها دور بارز من
الناحية الاقتصادية والعسكرية فكانت عاصمة الإقليم لسنوات. اهتم بها الخلفاء العرب
وطلبوا من أهلها تجهيز كسوة الكعبة المشرفة ففعلوا بكل فخر واعتزاز.
المصادر
الانترنت.